ولا تكافئهم على ما يقع منهم. وهذه أولى الآيتين المدنيتين والأخرى التي تليها كان نزولها قبل الأمر بالقتال ولا معنى لقول من قال إنهما منسوختان بآية السيف لأن بداية الرسالة وطنّت على الرفق واللين والترغيب والوعد لا على الشدة والقسوة وما وقع من التهديد والترهيب والوعيد إنما هو لاستمالتهم والقائل بالنسخ يزعم أنهما مكيتان وليس كذلك وكان نزولهما قبل حادثة بدر وحديث عائشة هو في الآية الأخيرة من هذه السورة كما سيأتي، فيا حبيبي الأمين اعتزل هؤلاء الكفار
«وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ» هي غضاضة العيش وكثرة المال والولد وهي بالفتح بمعنى التنعّم وبالكسر بمعنى الانعام وبالضم المسرة، أي خل بيني وبينهم وكل أمرهم إليّ فان فيّ ما يفرغ بالك ويجلي همك فلا تستعجل عليهم «وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلًا 11» كي يؤمن مؤمنهم ويصر كافرهم وإني سأكفيكهم. انتهت الآيتان المدنيتان، وقد نزلتا في صناديد قريش وقيل في المطعمين الذين تعهدوا بإطعام الجيش عند تأهبهم لغزوة بدر فكان جزاؤهم بالدنيا أن قتلوا فيها أما جزاؤهم في الآخرة فهو ما قال تعالى «إِنَّ لَدَيْنا» لأمثالهم «أنكالا» قيودا ثقالا وسلاسل طوالا ننكّلهم بها «وَجَحِيماً 12» نارا محرقة سوداء لشدة اتقادها نحرقهم بها «وَطَعاماً ذا غُصَّةٍ» ينشب بالحلق ولا يساغ كالزّقوم والضريع (وهي لم تكرر في القرآن) «وَعَذاباً أَلِيماً 13» لا تطيقه أجسامهم نذيقهم إياه في ذلك اليوم العظيم «يَوْمَ تَرْجُفُ الْأَرْضُ» تضطرب لشدة الهول «وَالْجِبالُ» تتزلزل منه «وَكانَتِ الْجِبالُ» «كثيبا» رملّا مجتمعا «مَهِيلًا 14» رخوا سائلا بحيث إذا أخذت منه شيئا تبعك ما بعده بخلاف حالتها اليوم فاعتبروا أيها الناس فان هذه الآية من أعظم الآيات المرهبات، أخرج الإمام أحمد في الزهد وأبو داود في الشريعة والبيهقي في الشعب وابن عدي في الكامل من طريق حمران بن أعين عن أبي حرب بن الأسود أن رسول الله صلى الله عليه وسلم سمع رجلا يقرؤها فصعق. وفي رواية أنه صلى الله عليه وسلم قرأها نفسه فصعق، وقال خالد بن حسان أمسى عندنا الحسن وهو صائم